فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

المعنى: أن الشيطان قرين لأصحاب هذه الأفعال كقوله: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف: 36] وبين تعالى أنه بئس القرين، إذ كان يضله عن دار النعيم ويورده نار السعير وهو كقوله: {وَمِنَ الناس مَن يجادل في الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} [الحج: 3، 4]. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا} لما ذكر تعالى من اتصف بالبخل والأمر به، وكتمان فضل الله تعالى، والإنفاق رئاء، وانتفاء إيمانه بالله وباليوم الآخر، ذكر أن هذه من نتائج مقارنة الشيطان ومخالطته وملازمته للمتصف بذلك، لأنها شر محض، إذ جمعت بين سوء الاعتقاد الصادر عنه الإنفاق رئاء، وسائر تلك الأوصاف المذمومة.
ولذلك قدم تلك الأوصاف وذكر ما صدرت عنه وهو انتفاء الإيمان بالموجد، وبدار الجزاء.
ثم ذكر أنّ ذلك من مقارنة الشيطان.
والقرين هنا فعيل بمعنى مفاعل، كالجليس والخليط أي: المجالس والمخالط.
والشيطان هنا جنس لا يراد به إبليس وحده وهو كقوله: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين} وله متعلق بقرينًا أي: قرينًا له.
والفاء جواب الشرط، وساء هنا هي التي بمعنى بئس للمبالغة في الذم، وفاعلها على مذهب البصريين ضمير عام، وقرينًا تمييز لذلك الضمير.
والمخصوص بالذمّ محذوف وهو العائد على الشيطان الذي هو قرين، ولا يجوز أن يكون ساء هنا هي المتعدية ومفعولها محذوف وقرينًا حال، لأنها إذ ذاك تكون فعلًا متصرفًا فلا تدخله الفاء، أو تدخله مصحوبة بقد.
وقد جوّزوا انتصاب قرينًا على الحال، أو على القطع، وهو ضعيف.
وبولغ في ذمّ هذا القرين لحمله على تلك الأوصاف الذميمة.
قال الزمخشري وغيره: ويجوز أن يكون وعيدًا لهم بأن الشيطان يقرن بهم في النار انتهى.
فتكون المقارنة إذ ذاك في الآخرة يقرن به في النار فيتلاعنان ويتباغضان كما قال: {مقرنين في الأصفاد} {وإذا ألقوا منها مكانًا ضيقًا مقرنين} وقال الجمهور: هذه المقارنة هي في الدنيا كقوله: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم} {ونقيض له شيطانًا فهو له قرين} {وقال قرينه ربنا ما أطغيته} قال ابن عطية: وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى: {بئس للظالمين بدلًا} وذلك مردود، لأنّ بدلًا حال، وفي هذا نظر.
والذي قاله الطبري صحيح، وبدلًا تمييز لا حال، وهو مفسر للضمير المستكن في بئس على مذهب البصريين، والمخصوص بالذم محذوف تقديره: هم أي الشيطان وذريته.
وإنما ذهب إلى إعراب المنصوب بعد نعم وبئس حالًا الكوفيون على اختلاف بينهم مقرر في علم النحو. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قِرِينًا} في الكلام إضمار تقديره {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله وَلاَ باليوم الآخر} فقرينهم الشيطان {وَمَن يَكُنِ الشيطان لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا}.
والقرين: المقارن، أي الصاحب والخليل وهو فعيل من الإقران؛ قال عدي ابن زيد:
عن المرء لا تسأل وسَلْ عن قَرِينه ** فكُّل قَرينٍ بالمقارنِ يَقْتَدي

والمعنى؛ من قَبِلَ مِنْ الشيطان في الدّنيا فقد قارنه.
ويجوز أن يكون المعنى من قُرِن به الشيطان في النار {فساء قَرِينًا} أي فبئس الشيطان قرينًا، وهو نصب على التمييز. اهـ.

.قال الجصاص:

وقَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}.
مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ أَعَدَّ لِلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَاَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِيَاءَ النَّاسِ عَذَابًا مُهِينًا؛ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ لِغَيْرِ وَجْهِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الثَّوَابَ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ عِوَضًا مِنْ الدُّنْيَا كَالذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَنَّ كُلَّ مَا أُرِيدَ بِهِ عِوَضٌ مِنْ أَعْوَاضِ الدُّنْيَا أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، كَالِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ وَعَلَى الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْقُرَبِ، أَنَّهُ مَتَى اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ عِوَضًا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ بَابِ الْقُرْبَةِ.
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ سَبِيلُهَا أَنْ لَا تُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهَا الْأُجْرَةَ وَأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهَا بَاطِلَةٌ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (38)}.
أدخل هؤلاء أيضًا تحت قوله: {إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر غلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالًا ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله تعالى: {والذين ينفقون} الآية- قال الطبري: {الذين} في موضع خفض عطف على الكافرين، ويصح أن يكون في موضع رفع عطفًا على {الذين يبخلون} على تأويل: من رآه مقطوعًا ورأى الخبر محذوفًا، وقال: إنها نزلت في اليهود، ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر، وتقديره: بعد اليوم الآخر معذبون، وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في اليهود، قال الطبري: وهذا ضعيف، لأنه نفى عن هذه الصفة الإيمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليسوا كذلك.
قال القاضي أبو محمد: وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام، إذا إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان، من حيث لا ينفعهم، وقال الجمهور: نزلت في المنافقين، وهذا هو الصحيح، وإنفاقهم: هو ما كانوا يعطون من زكاة، وينفقون في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، رياء ودفعًا عن أنفسهم، لا إيمانًا بالله، ولا حبًا في دينه {ورثاء} نصب على الحال من الضمير في {ينفقون} والعامل {ينفقون} ويكون قوله: {ولا يؤمنون} في الصلة، لأن الحال لا تفرق إذا كانت مما هو في الصلة، وحكى المهدوي: أن الحال تصح أن تكون من {الذين} فعلى هذا يكون {ولا يؤمنون} مقطوعًا ليس من الصلة، والأول أصح، وما حكى المهدوي ضعيف، ويحتمل أن يكون {ولا يؤمنون} في موضع الحال، أي: غير مؤمنين، فتكون الواو واو الحال.
والقرين: فعيل بمعنى فاعل، من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب، وهي هاهنا مقارنة مع خلطة وتواد، والإنسان كله يقارنه الشيطان، لكن الموفق عاص له، ومنه قيل لما يلزمان الإبل والبقر قرينان، وقيل للحبل الذي يشدان به: قرن، قال الشاعر: [البسيط]
كَمُدْخِلٍ رأَسَهُ لَمْ يُدْنِهِ أَحَدٌ ** بَيْنَ القَرِينَيْنِ حَتّى لزَّهُ الْقَرَنُ

فالمعنى: ومن يكن الشيطان له مصاحبًا وملازمًا، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته، و{قرينًا} نصب على التمييز، والفاعل لـ {ساء} مضمر، تقديره ساء القرين قرينًا، على حد بئس، وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى: {بئس للظالمين بدلًا} [الكهف: 50] وذلك مردود، لأن {بدلًا} حال، وفي هذا نظر. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس} يعني للفخار والسمعة وليقال ما أسخاهم وما أجودهم لا يريدون بما أنفقوا وجه الله تعالى.
عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه» نزلت في هذه الآية في اليهود وقيل في المنافقين لأن الرياء ضرب من النفاق، وقيل نزلت في مشركي مكة المنفقين أموالهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} يعني ولا يصدقون بتوحيد الله ولا بالمعاد الذي فيه جزاء الأعمال أنه كائن {ومن يكن الشيطان له قرينًا فساء قرينًا} يعني من يكن الشيطان صاحبه وخليله فبئس الصاحب وبئس الخليل الشيطان، وإنما اتصل الكلام هنا بذكر الشيطان تقريعًا لهم على طاعة الشيطان.
والمعنى من يكن عمله بما سول له الشيطان فبئس العمل عمله وقيل هذا في الآخرة يجعل الله الشياطين قرناءهم في النار يقرن مع كل كافر شيطان في سلسلة من النار. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{والذين يُنْفِقُونَ أموالهم رِئَاء الناس} أي للفخار ولما يقال لا لوجه الله العظيم المتعال، والموصول عطف على نظيره أو على الكافرين، وإنما شاركوهم في الذم والوعيد لأن البخل والسرف الذي هو الانفاق لا على ما ينبغي من حيث إنهما طرفا إفراط وتفريط سواء في الشناعة واستجلاب الذم، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي قرينهم الشيطان كما يدل عليه الكلام الآتي.
{وَرِئَاء} مصدر منصوب على الحال من ضمير {يُنفِقُونَ} وإضافته إلى الناس من إضافة المصدر لمفعوله أي مرائين الناس {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بالله} القادر على الثواب والعقاب {وَلاَ باليوم الآخر} الذي يثاب فيه المطيع ويعاقب العاصي ليقصدوا بالإنفاق ما تورق به أغصانه ويجتنى منه ثمره وهم اليهود، وروي ذلك عن مجاهد، أو مشركو مكة أو المنافقون كما قيل.
{وَمَن يَكُنِ الشيطان} والمراد به إبليس وأعوانه الداخلة والخارجة من قبيلته، والناس التابعين له أو من القوى النفسانية والهوى وصحبة الأشرار، أو من النفس والقوى الحيوانية وشياطين الإنس والجن {لَهُ قَرِينًا} أي صاحبًا وخليلًا في الدنيا {فَسَاء} فبئس الشيطان أو القرين.
{قَرِينًا} لأنه يدعوه إلى المعصية المؤدية إلى النار وساء منقولة إلى باب نعم، وبئس فهي ملحقة بالجامدة؛ فلذا قرنت بالفاء، ويحتمل أن تكون على بابها بتقدير قد كقوله سبحانه: {وَمَن جَاء بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النار} [النمل: 90] والغرض من هذه الجملة التنبيه على أن الشيطان قرينهم فحملهم على ذلك وزينه لهم، وجوز أن يكون وعيدًا لهم بأن يقرن بهم الشيطان يوم القيامة في النار فيتلاعنان ويتباغضان وتقوم لهم الحسرة على ساق.. اهـ.